حكومة العراق تشهد تحديات خاصة بعد عودة الاغتيالات
- الحكومة العراقية الجديدة تحرص على إجراء إصلاحات حقيقية
- الفصائل المسلحة تقف غالبًا وراء عمليات الاغتيالات واستهداف الشخصيات الأجنبية
- لم يكن للكاظمي كتلة برلمانية أو حزب سياسي يدعم خطواته
حرصت الحكومة العراقية الجديدة بقيادة محمد شياع السوداني المدعوم من قبل قوى الإطار التنسيقي، على تقديم الكثير من الوعود والتعهدات بإجراء إصلاحات حقيقية في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، حيث ذكر المنهاج الوزاري للحكومة الجديدة العمل على إعادة بناء المؤسسة العسكرية والأمنية، بما يضمن العيش بأمن وسلام.
يأتي هذا إضافة إلى التركيز على إنهاء ظاهرة السلاح المُنفلت خارج نطاق المؤسسات الرسمية والشرعية للدولة، وتُعد هذه النقطة من أكثر التحديات التي تواجه الحكومات العراقية نتيجة لتعقيدات الملف الأمني، وكثرة الأطراف المسلحة وتستقوي بجهات خارجية لحماية وجودها داخل العراق.
مقتل المواطن الأمريكي “ستيفن ترول”
وبعد أيام قليلة من تشكيل الحكومة الجديدة ووعود رئيس الحكومة بإنهاء السلاح المنفلت، وقعت جريمة وحادثة مؤلمة في العاصمة العراقية بغداد، عندما قامت مجموعة مسلحة بقتل المواطن الأمريكي “ستيفن ترول” في منطقة الكرادة وسط العاصمة، وكان ترول يعمل بصفة معلم في إحدى البرامج التنموية الأجنبية في العراق، ويقيم مع زوجته وبناته الثلاث في منطقة الكرادة ومن الشخصيات المعروفة بحبه للعراق وحرصه على تقديم الكثير من الإنجازات إلى العراقيين.
وشكلت هذه الجريمة تحديًا حقيقيًا واختبارًا للحكومة العراقية الجديدة، وسارع رئيس الحكومة إلى تشكيل لجنة تحقيقية بخصوص الجريمة والتأكيد على أن الأمن خط أحمر ومن يريد اختبار الحكومة بملف الأمن، فلا يحاول لأنه خيار فاشل، ورغم مرور أكثر من 5 أيام على الجريمة وعلى تشكيل لجنة التحقيق، إلا أن الحكومة الجديدة فشلت في كشف تفاصيل الجريمة والعثور على المشاركين والمتورطين في الحادثة.
من يقف وراء عودة الاغتيالات في العراق؟
يُدرك المراقبون جيداً أن الفصائل المسلحة والجماعات التي تتفرع عن هذه الفصائل تقف غالبًا وراء عمليات القتل والاغتيالات واستهداف الشخصيات الأجنبية والمحلية المعروفة، وتستغل هذه الجماعات نفوذها داخل الدولة لتسهيل الإفلات من العقوبة والخروج من مسرح الجريمة دون أي خسائر، كما تضمن لنفسها حرية الحركة باستخدام الهويات الرسمية وضمان سرعة الحركة رغم كثرة النقاط الأمنية ومراكز التفتيش داخل العاصمة وانتشار كاميرات المراقبة التي تُسجل كل شيء في حال وُجدت الإرادة الحقيقية لملاحقة عناصر هذه الجماعات المسلحة المتورطة بارتكاب الجرائم.
تهديدات ميليشيات أصحاب الكهف للمصالح الأمريكية
وكانت ميليشيا “أصحاب الكهف” قد هددت سابقًا باستهداف المصالح الأمريكية والغربية داخل العراق، كما اتهمت شبكة “فوكس نيوز” الأمريكية كُلاً من جماعة “عصائب أهل الحق” و “كتائب حزب الله” في العراق بالوقوف وراء عملية مقتل المواطن الأمريكي “ستيفن ترول”، وطالب التقرير بتحميل إيران المسؤولية المباشرة عن الهجوم على أمريكي في العراق، نظرًا لأن الميليشيا التي نفذت هذا الهجوم منبثقة عن واحدة من أكبر الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران.
وقد أكدت دراسة سابقة لمعهد واشنطن ارتباط تنظيم “أصحاب الكهف” بصورة وثيقة وخاصة بميليشيا “عصائب أهل الحق” وأمينها العام قيس الخزعلي، وأنها من أكثر الجماعات الواجهة استخدامًا من قبل الميليشيات المدعومة من إيران، لإخفاء تورطها في العمليات العسكرية وأكثرها شهرة، ويبدو أن الميليشيات الرئيسية تستخدم هذه العناوين الفرعية لتنفيذ بعض العمليات للمحافظة على مساحة كافية لإنكار المسؤولية في حال تسببت هذه العمليات بتصاعد ردات الفعل المحلية والدولية، وإمكانية التنصل من المسؤولية.
تكرار سيناريو الحكومة السابقة
هذا وحاولت الحكومة العراقية السابقة بقيادة “مصطفى الكاظمي” العمل بصورة جدية على تحجيم قوة الميليشيات وحصر السلاح بيد الدولة، وخاصة أنه جاء بعد تظاهرات تشرين وتسبب السلاح المنفلت بمقتل عشرات المتظاهرين وجرح واختطاف المئات من المدنيين والناشطين، وعلى الرغم من توفر الدعم الشعبي لهذه الخطوة واتخاذه خطوات فعلية لإنهاء مخاطر الميليشيات، إلا أن ضعف الأجهزة الأمنية الرسمية ومحاربة الأطراف السياسية لهذا التوجه، أدى لإفشال المهمة وعدم تحقيق الأهداف المرجوة.
وقامت الحكومة السابقة باعتقال 14 عنصراً من ميليشيا كتائب حزب الله في يونيو / حزيران من عام 2020، والتي تورطت بإطلاق صواريخ الكاتيوشا على المصالح الأجنبية في العاصمة بغداد، حيث شكلت العملية تطوراً كبيراً في أداء الحكومة العراقية، وخطوة فعلية لمحاربة النشاطات الغير قانونية للميليشيات.
إلا أن كتائب حزب الله عملت فوراً على الانتشار داخل المنطقة الخضراء وتطويق المقرات الأمنية والحكومية والضغط على رئيس الحكومة لإطلاق سراح المعتقلين بصورة فورية.
كما حاول رئيس الوزراء السابق محاربة الجماعات المسلحة في محافظة البصرة بعد انتشار عمليات الاغتيال واستهداف الناشطين، وعمل على اعتقال عناصر الفصائل المسلحة وخاصة جماعة “ثأر الله” المقربة من إيران والمتورطة بقتل المتظاهرين، إلا أن الحملة لم تؤدي إلى محاسبة المتورطين في الجرائم أو حصر السلاح بيد الدولة، نتيجة لوجود الغطاء الإقليمي الإيراني والتواطؤ السياسي الداخلي مع هذه الجماعات وإطلاق سراح المتهمين من قبل القضاء بحجة نقص الأدلة.
لماذا فشلت خطوات الكاظمي؟
لم يكن للكاظمي كتلة برلمانية أو حزب سياسي يدعم خطواته في إجراء الإصلاحات ومحاربة هذه الجماعات المنفلتة، ما أدى إلى فشل خطواته التي كانت تصطدم بمصالح الأحزاب السياسية والفصائل المسلحة، وخاصة أن زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق قيس الخزعلي قد طالب الكاظمي بعد حادثة اعتقال عناصر ميليشيا كتائب حزب الله بعدم الاقتراب من سلاح فصائل المقاومة، وهدد قائلاً: “ما من مسؤول عراقي قبل الكاظمي تجرأ على استهداف فصائل المقاومة، والأفضل لرئيس الحكومة عدم الدخول في مواجهة مع الحشد الشعبي”.
تمتع السوداني بدعم الأطراف السياسية
وبخلاف الكاظمي يتمتع السوداني بدعم كامل من الأطراف السياسية، وخاصة الإطار التنسيقي، كما يتفق الجانب الإيراني والأمريكي على دعم الحكومة الحالية، مع تعليق الكثير من الجهات على السوداني لإحداث تغييرات حقيقية تساهم في نهوض الدولة العراقية واستتاب الأمن والأمان، ومنع انهيار البلاد أو الدخول في الفوضى مجدداً.
ومن الواضح أن معالجة ملف السلاح المنفلت وحصر السلاح بيد الدولة تعتبر بوابة رئيسية لتأكيد سيادة الدولة وسلطة القانون وطمأنة المواطنين والأطراف الأجنبية، بوجود دولة حقيقية قادرة على فرض القانون ومواجهة فوضى السلاح.
ويُشكل هذا الدعم الداخلي والدولي فرصة حقيقية للحكومة العراقية الجديدة بمواجهة التحديات التي تواجه الأمن والاستقرار وخاصة بعد عودة عمليات الاغتيال التي تؤثر بصورة سلبية على سمعة العراق على المستوى الداخلي والدولي.
ويتطلب الأمر إرادة حقيقية من قبل السوداني والقدرة على تحويل الشعارات إلى أفعال على أرض الواقع، وعدم التردد في مواجهة الميليشيات والفصائل المسلحة وتفضيل مصالح الدولة على مصالح الأحزاب السياسية التي تعمل على إبقاء الدولة في حالة ضعف وتشتت لصالح تقوية عوامل اللا-دولة.
هذا ويتابع العراقيون باهتمام كبير طريقة تعامل الحكومة الجديدة مع قضية قتل المواطن الأمريكي والذي سيوضح الخط العام للحكومة الجديدة وكيفية إدارته للملف الأمني ومدى قدرته على مواجهة الفصائل والجماعات المسلحة التي تستغل ضعف الدولة لتنفيذ الجرائم وارتكاب الانتهاكات، لتحقيق مصالح محلية او تنفيذ الأجندة الخارجية، حيث يعتبر فشل السوداني في هذا الاختبار الأمني مؤشرًا على الاستمرار في مسار إضعاف الدولة وتقوية الميليشيات خلال الفترة القادمة.