الكوليرا.. أزمة جديدة تضاف إلى لبنان
- روشتة تساعد في الوقاية من الكوليرا
- الوباء ينتشر في ظل الفقر والحرب
- الكوليرا مرض فتاك لكن يمكن علاجه بسهولة
أثارت الأنباء الواردة من لبنان، حول انتشار مرض الكوليرا، المخاوف من تفشي هذا الوباء على نطاق أوسع، خاصة في ظل تحذيرات منظمة الصحة العالمية من “فاشية كوليرا فتاكة”، في ظل معاناة جارتها سوريا أيضاً من انتشار هذا المرض.
ولأول مرة منذ عام 1993، اندلع وباء الكوليرا مجددًا في لبنان، في 6 أكتوبر 2022، ومنذ ذلك الحين، انتشر المرض في جميع المحافظات اللبنانية، حيث سُجلت أكثر من 1400 حالة مشتبه فيها، بينها 381 حالة مؤكدة مختبريًا و17 حالة وفاة، حسب منظمة الصحة العالمية.
الوضع لا يختلف كثيرًا في سوريا المجاورة، التي سجلت 1149 إصابة و47 حالة وفاة في البلاد، وفق أحدث إحصائيات وزارة الصحة السورية منذ اندلاع المرض في سبتمبر الماضي، وذلك في تفش هو الأول من نوعه في البلاد منذ عام 2009.
ووفق المنظمة، فإن سلالة الكوليرا المنتشرة في لبنان تسمى “الضَّمَّة الكُوليريَّة”، وهي سلالة مشابه للنمط المنتشر في سوريا.
لماذا تجدد اندلاع المرض؟
تاريخيًا، انتشرت الكوليرا خلال القرن التاسع عشر في جميع أنحاء العالم، انطلاقاً من مستودعها الأصلي في دلتا نهر الغانج بالهند، واندلعت بعد ذلك جوائح من المرض حصدت أرواح الملايين من البشر في جميع القارات.
ورغم أن هذا المرض، تم القضاء فعليًّا في البلدان الصناعية، بواسطة الصرف الصحي الحديث ومعالجة المياه، ولكنه لايزال موجودًا في أفريقيا، وجنوب شرق آسيا.
ويتفشى وباء الكوليرا عادة، عندما يُرغِم الفقر أو الحرب أو الكوارث الطبيعية الأشخاص على العيش في ظروف مزدحمة دون وجود مرافق الصرف الصحي الملائمة، ومياه الشرب النظيفة.
منظمة الصحة العالمية أعلنت أنه خلال الأشهر الـ9 الأولى من 2022، أبلغت ٢٦ دولة عن تفشي الكوليرا، غالبية هذه الدول تعاني من الفقر والصراعات.
تقديرات الخبراء، تشير لوقوع بين 1.3 و4 ملايين إصابة بالكوليرا سنويًا حول العالم، ويتسبب المرض في وفاة بين 21 و143 ألفًا بجميع أنحاء العالم، وفق المنظمة.
عن مسببات تجدد انتشار المرض في لبنان، أرجع وزير الصحة اللبناني الدكتور فراس الأبيض، ذلك إلى تراجع مستوى الخدمات الأساسية في هذا البلد المنهك بالأزمات، مشيراً إلى أن “التراجع في الخدمات وصل إلى مستوى التعرض إلى أوبئة لم تدخل لبنان منذ زمن بعيد”.
الوزير أضاف أن الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعاني منها لبنان منذ أكثر من ٣ سنوات، انعكست على مختلف جوانب الحياة ووضعت السكان أمام تحدي الوصول إلى غذاء سليم ومياه شرب صالحة للاستخدام، خصوصاً مع الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي، وتفاقم أزمة النفايات والصرف الصحي، وتلوث الأنهار التي يعتمد المزارعون على مياهها لري مزروعاتهم، وكل ذلك يمثل عوامل مساعدة لانتشار المرض بشكل سريع، لا سيما في الأحياء الفقيرة.
وما يفاقم من الوضع، أن هناك ٨٠٪ من سكان لبنان، يواجهون فقراً متعدد الأوجه، نصفهم يعيش على خط الفقر، وفق تقديرات الأمم المتحدة الأخيرة.
الدكتور عبد الناصر أبوبكر ممثل منظمة الصحة العالمية في لبنان، اعتبر خلال مقابلة مع “أخبار الأمم المتحدة”، أن مرض الكوليرا بات شائعًا جدًا، لأنه ينتج عن جرثومة تنتقل عبر مياه الشرب أو تناول مواد غذائية ملوثة، أو عبر الخضار المروية بمياه ملوثة، أو من شخص الى آخر عبر الأيدي الملوثة.
وشدد أبوبكر على أن مسؤولية الفرد هي مسؤولية المجتمع، وبالتالي على الحكومة العمل على توفير مياه نظيفة وآمنة للشرب، وغذاء سليم، وشبكات صرف صحي فعالة خالية من الجراثيم الموجودة في المياه المبتذلة، لجميع السكان لتجنب تفشي الكوليرا، ووقوع كارثة صحية جديدة تفوق قدرة البلاد.
سبب انتشار المرض في سوريا، لا يختلف كثيرًا في عن لبنان، حيث ذكرت الأمم المتحدة أنه يُعتقد أن تفشي الكوليرا في سوريا مرتبط بري المحاصيل باستخدام مياه ملوثة وشرب مياه غير آمنة من نهر الفرات الذي يشطر سوريا من الشمال إلى الشرق.
مسؤولون طبيون أشاروا إلى أن المرض شديد العدوى انتشر أيضًا في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد ومناطق المعارضة في منطقتي شمال وشمال غرب سوريا اللتين نزح إليهما الملايين بسبب الصراع المستمر في البلاد منذ 10 سنوات.
منظمات غير حكومية نوهت أيضًا إلى أن الحصول على مياه شرب نقية، يمثل تحديًا ضخمًا في سوريا التي توجد بها مياه شرب أقل 40% عما كانت عليه قبل بدء الصراع، وذلك بسبب الدمار واسع النطاق في البنية التحتية الخاصة بالمياه.
وقبل أحدث انتشار للكوليرا في سوريا، تسببت أزمة المياه في زيادة أمراض مثل الإسهال وسوء التغذية والأمراض الجلدية في المنطقة، وفق منظمة الصحة العالمية.
أعراض ومضاعفات
الكوليرا هي مرض بكتيري عادةً ما ينتشر عن طريق الماء الملوَّث، ويتسبب في الإصابة بإسهال وجفاف شديد، بالإضافة إلى الغثيان والقي.
خطورة المرض تكمن في عدم علاجه، لأنه إذا لم يتم علاج، فإن المرض يمكن أن يكون قاتلا خلال ساعات، حتى لدى الأشخاص الذين كانوا أصِحَّاء سابقًا.
ويحدث الإسهال الناتج عن الكوليرا فجأة وقد يسبب فقدانًا كبيرًا لسوائل الجسم، فيما يسبب الجفاف فقدان المعادن من الجسم بسرعة، وهي المسئولة عن الحفاظ على توازن السوائل في الجسم.
فيما يحدث الغثيان والقيء في المراحل الأولى من الكوليرا ويمكن أن يدوم لساعات.
ومن مؤشرات وأعراض الجفاف بسبب الكوليرا سهولة الاستثارة، والإرهاق، وغور العينين، وجفاف الفم، والعطش الشديد، وجفاف وذبول الجلد الذي عند قرصه يعود ببطء لموضعه الأصلي، وقلة التبوُّل أو انعدامه، وانخفاض ضغط الدم، واضطراب ضربات القلب، وفق عيادات مايو كلينيك.
وحسب منظمة الصحة العالمية، فإن أعراض المرض تستغرق فترة تتراوح بين 12 ساعة و5 أيام لكي تظهر على الشخص عقب تناوله أطعمة ملوثة أو شربه مياه ملوثة.
وتصيب الكوليرا الأطفال والبالغين على حد سواء، ومعظم من يُصابون بعدوى المرض، تظهر عليهم أعراض خفيفة أو معتدلة، بينما تُصاب أقلية منهم بإسهال حاد مصحوب بجفاف شديد، ويمكن أن يسبب ذلك الوفاة إذا تُرك من دون علاج.
وعلى الرغم من أن الجفاف وهبوط الدورة الدموية هما أسوأ مضاعفات الإصابة بالكوليرا؛ إلا أن مشكلات أخرى قد تحدث، مثل انخفاض نسبة السكر في الدم، بسبب عدم تناوُل المرضى الطعام من شدة الإعياء، ويعتبر الأطفال هم الأكثر عرضة لخطر هذه المشكلة؛ حيث إنها تتسبَّب في حدوث نوبات مرضية، وفقدان الوعي، حتى الوفاة.
كما يتسبب المرض في فقدان المريض لكميات كبيرة من المعادن في البراز، بما فيها البوتاسيوم، ما يؤثر على القلب ووظائف الأعصاب، ويُشكِّل خطرًا على الحياة. يأتي ذلك بالإضافة إلى زيادة مخاطر الإصابة بالفشل الكلوي.
سُبل الوقاية والعلاج
رغم أن الكوليرا مرض فتاك، لكن يمكن الوقاية منه من خلال أنشطة الترصد وتوفير إمدادات المياه والصرف الصحي وشروط النظافة الصحية والعلاج ولقاحات الكوليرا الفموية.
وفي حالة الإصابة به، يمكن علاجه بسهولة بتعويض السوائل عن طريق الفم أو المضادات الحيوية للحالات الأكثر شدة.
ويمكن أن ينجح علاج معظم بالكوليرا إذا تم الإسراع في إعطائهم محاليل الإمهاء الفموي، حيث يُذاب محتوى الكيس القياسي من محلول الإمهاء الفموي في لتر واحد من المياه النظيفة، وقد يحتاج المريض البالغ إلى كمية تصل إلى 6 لترات من هذا المحلول لعلاج الجفاف المعتدل في اليوم الأول من إصابته بالمرض، وفق منظمة الصحة العالمية.
أمّا المرضى الذين يعانون من جفاف شديد فهم معرضون لخطر الإصابة بالصدمة ويلزم الإسراع في حقنهم بالسوائل عن طريق الوريد. كما يُعطى هؤلاء المرضى المضادات الحيوية المناسبة لتقليل مدة الإسهال، والحد من كمية المأخوذ من سوائل الإماهة اللازمة، وتقصير مدة إفراز ضمات الكوليرا في البراز وفترة بقائها.
ولا تُوصى المنظمة بإعطاء المضادات الحيوية بكميات كبيرة، إذ ليس لها تأثير مُثبت على مكافحة انتشار الكوليرا، وقد تسهم في زيادة مقاومتها لمضادات الميكروبات.
ويعد الزنك علاجاً مساعداً هاماً للأطفال دون سن الخامسة، إذ يقلل أيضاً من مدة الإسهال لديهم وقد يمنع التعرض للنوبات في المستقبل من جراء أسباب أخرى للإصابة بإسهال مائي حاد، كما ينبغي أيضاً تشجيع الرضاعة الطبيعية.
وللوقاية من المرض، يمكن اتباع مجموعة من النصائح التي تقلل خطر الإصابة بالمرض، على رأسها، غسل اليدين بالصابون والماء بشكل متكرِّر، خاصة بعد استخدام المرحاض وقبل تناوُل الطعام، وشرب الماء الآمن فقط، بما في ذلك المياه المعبَّأة في زجاجات أو الماء الذي قمت بغليه أو تعقيمه بنفسك.
ووفق عيادات مايو كلينيك، فإن المشروبات الساخنة تعتبر آمنة بشكل عام، مثل المشروبات المعلبة أو المعبأة في زجاجات، ولكن يجب مسح الزجاجة من الخارج قبل فتحها، كما ينصح بعدم إضافة الثلج إلى المشروبات إلا إذا صنعته بنفسك باستخدام مياه آمنة.
كما يُنصح بتناوَلْ الطعام المطبوخ والساخن، وتجنب طعام الباعة المتجولين إن أمكن، وإذا اضطرتك الظروف لشراء وجبة طعام من بائع متجول، فتأكد من طهيها في حضورك وتقديمها ساخنة.
ويُنصح أيضًا بتجنب السوشي، وكذلك الأسماك والمأكولات البحرية النيئة أو المطبوخة بشكل غير صحيح من أي نوع.
وفيما يتعلق بالفواكه والخضروات، فينصح بتناول الأنواع التي يمكن تقشيرها بنفسك، مثل الموز والبرتقال والأفوكادو، والابتعاد عن السلطات والفواكه التي لا يمكن تقشيرها مثل العنب والتوت.
وأخيرًا، فإن ويلات الحروب والصراعات السياسية والأزمات الاقتصادية، دائمًا ما تكون عنوانًا لانتشار الأوبئة وعلى رأسها الكوليرا، لأنها تؤثر بشكل مباشر على جودة المرافق الصحية والبنية التحتية، بالإضافة إلى تأثيراتها على إمدادات الأدوية والأمصال الوقائية وكفاءة القطاع الطبي، وتبقى التوعية واتباع سبل الوقاية من المرض، السبيل الوحيد أمام الأفراد للتصدي للمرض.