مقتدى الصدر يستعرض قوته ضد خصومه السياسيين
- الصدر يستعمل الاحتجاجات لاسقاط مساعي خصومه في تشكيل الحكومة
- يواجه العراق خطر وقوع “حرب أهلية” في ظل امتلاك الأطراف المتنازع مجموعات مسلّحة
يشهد العراق شللاً سياسياً منذ عدّة أشهر، مترجما عجز الأطياف السياسية عن الاتفاق على تشكيل حكومة انتخاب رئيس للجمهورية. حيث يعمد التيار الصدري أكبر القوى السياسية في البرلمان السابق، فرض رؤيته على خصومه.
وجاء اقتحام مئات المتظاهرين للبرلمان العراقي، في استعراض جديد لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، ليزيد الضغط على خصومه السياسيين.
ويعيش العراق مأزقا سياسيا بعد عشرة أشهر من الانتخابات التشريعية المبكرة التي جرت في تشرين الأول/أكتوبر 2021، حيث عجزت التحالفات عن الاتفاق حول انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ولا تكليف رئيس جديد لتشكيل الحكومة.
ووسط هذه التعقيدات بالمشهد السياسي، هل يواصل الصدر التصعيد واتخاذ خطوات أخرى أكثر عنفا؟
كيف أراد الصدر أن يكون المسيطر على الحكومة؟
يعود منصب رئيس الوزراء في العراق تقليدياً إلى شخصية شيعية يجرى اختيارها بالتوافق بين القوى السياسية الشيعية المهيمنة على المشهد السياسي.
لكن مقتدى الصدر، صاحب التأثير الكبير على المشهد السياسي في العراق، أراد تغيير هذه القاعدة بعد فوز تياره بـ73 مقعدا في انتخابات تشرين الأول/أكتوبر التشريعية. وحاز بذلك أكبر عدد من المقاعد في البرلمان، وأراد أن يكون تياره هو من يسمي رئيس حكومة “أغلبية” إلى جانب حلفائه.
وبعد أشهر من المفاوضات، ترك الصدر لخصومه في الإطار التنسيقي، تحالف قوى شيعية، مهمة تشكيل الحكومة بعدما قام بخطوة مفاجئة بسحب نوابه من البرلمان.
ويضمّ الإطار خصوصاً كتلة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وكتلة الفتح الممثلة للحشد الشعبي، وهي فصائل شيعية مسلحة موالية لإيران باتت منضوية في الدولة.
وتطلّب الأمر أشهراً طويلةً من الأخذ والرد، لكن الإطار التنسيقي أعلن الاثنين محمد شياع السوداني مرشحه لرئاسة الوزراء، وهو وزير ومحافظ سابق، يبلغ 52 عاماً، ومنبثق من الطبقة السياسية التقليدية. ويعتبره الصدريون كذلك مقرباً من نوري المالكي.
الصدر يستنجد بالشارع لممارسة الضغط
وفي ظلّ هذا السياق السياسي، اقتحم مئات من مناصري التيار الصدري البرلمان الواقع في المنطقة الخضراء المحصنة في وسط العاصمة وتضمّ مقار حكومية وسفارات الأربعاء، احتجاجاً على ترشيح السوداني.
وخلال التجمهر وسط المنطقة الخضراء وسط بغداد، حذر الصدر المسؤولين من مغبة المساس بالمتظاهرين. وقال
ومن جهته دعاء رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي المحتجين إلى عدم المساس بمؤسسات الدولة. وقال أثناء اقتحام المحتجين للبرلمان إن “الرسالة وصلت”.
ما هي رسالة الصدر؟
تزامن اقتحام البرلمان العراقي من أنصار التيار الصدري، مع زيارة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني.
ويرى المحلل السياسي العراقي علي البيدر أن الصدر في هذه الخطوة يقول لخصومه أن “لا حكومة ولا خطوات دستورية واستحقاقات انتخابية ما لم يوافق الصدر عليها”.
ويضيف أن الصدر أوصل رسالةً “أنه حاضر بقوة في المشهد السياسي العراقي، وأنه جزء فاعل عبر الجماهير، وعلى الجميع احترام مواقفه وآرائه”، متابعا أنه أظهر أيضاً “القناعة المطلقة بأنه لا يمكن تمرير أي شيء من دون مباركة الصدر”.
يرى الأستاذ في جامعة بغداد إحسان الشمري أن “الرسالة الأهم مما حصل هي أن الخارطة السياسية المقبلة، مهما كانت، لن تمضي طالما كان التيار الصدري خارج البرلمان العراقي”.
بدوره، يشرح الباحث ريناد منصور من مركز أبحاث Chatham House أن الصدر يأمل “استخدام قوة الشارع لإسقاط محاولات خصومه في تشكيل الحكومة”، موضحاً “نحن أمام أطول مسارٍ لعملية تشكيل حكومة” شهدته البلاد.
لم يكن اقتحام البرلمان الخطوة الأولى التي يتجه إليها الصدر لاستعراض قوة تياره.
ففي منتصف تموز/يوليو الماضي، تجمّع مئات الآلاف من أنصاره في صلاة جمعة موحّدة في بغداد تلبية لدعوته، في انعكاس لمدى اتساع القاعدة الشعبية التي يتمتّع بها.
بالنسبة لخيار رئيس الحكومة، يستبعد المحلل السياسي علي البيدر أن يغير الإطار التنسيقي اسم مرشحه. ويشرح أن “الإطار التنسيقي قد ينكسر سياسياً إذا قدّم بديلاً إرضاءً للصدر”.
ويزيد ذلك وفق البيدر من خطر وقوع “حرب أهلية” مع امتلاك كل من الطرفين مجموعات مسلّحة.
ويضيف “ليس هناك أي توجّه لتقديم تنازلات عند أي طرف من الأطراف، يعني ذلك أن الوضع سيتجه نحو مزيد من التصعيد”.
ويشير ريناد منصور في الوقت نفسه إلى أن “الانقسامات والخصومات عديدة” داخل الإطار التنسيقي.
ويضيف “البعض منهم قلقون من العمل من دون الصدر وتشكيل حكومة من دونه”، خشيةً أن تتحول تظاهرات ومفاجآت تياره “إلى أمر اعتيادي عند تشكيل أي حكومة مقبلة”.
ويحذر الصدر خصومه عبر رسائل تمثلت أساسا في الحشد عبر الشوارع وتجييش الجماهير، والضغط من أجل الرضوخ إلى رؤيته وسياسته.
هل يذهب العراق إلى انتخابات مبكرة مرة أخرى؟
في هذا السياق المتوتّر، تزداد الأصوات المتحدّثة عن احتمال الذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة تعيد خلط الأوراق، وتأتي ببرلمان جديد.
وقد يكون ذلك حلاً يسهل قبوله من التيار الصدري الذي لم يعد ممثلاً داخل البرلمان. خاصة بعد أن أثبت أنه لا يزال الأكثر جماهيرية في الشارع العراقي.
ومن جهته يرى ريناد منصور، الباحث في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، أن “الصدريين يأملون أنهم بتقديم أنفسهم كقوة معارضة وليس كحزب في الحكومة، يستطيعون جذب مزيد من الأصوات”.
أما البديل، فسيكون “برلماناً غائباً” تحت ضغط التيار الصدري، كما يشرح إحسان الشمري.
ويضيف أن “جزءاً من استراتيجية الصدر هو تطويق البرلمان وقد يكون هناك اعتصام داخله اذا ما أصر الإطار على مرشحه” أو “عصيان مدني”.
وحذّر من أن اقتحام البرلمان ليس سوى “خطوة أولى”، مضيفاً أن “الرسالة كانت واضحة أن الصدر وأتباعه مستعدون أن يذهبوا إلى أبعد من ذلك”.