أخبار الآن | ريف إدلب – سوريا – (سونيا العلي)
دارت رحى الحرب في سورية وطحنت كل من تصادفه دون أن تميز بين صغير أوكبير، شاب أو عجوز، حيث مارس النظام السوري ضد شعبه أبشع الجرائم قتلاً وتشريداً وتدميراً لمجرد تفوههم بكلمة حق، ولكن الحلقة الأضعف في كل المجازر التي تحدث هم مصابي الحرب الذين تعرضوا للإعاقة التي أصبحت الهاجس المخيف في حياة السوريين عامة.
الحرب تشوّه الإنسان السوري
بعض المصابين من الحرب، ممن تشكلت لديهم إعاقة دائمة رفضوا الرضوخ والاستسلام للأمر الواقع، وتحدوا إصابتهم ووضعهم الصعب وتابعوا حياتهم جاعلين الأمل لهم عوناً دون أن يعيشوا عالة على غيرهم.
"أسامة المرعي" 35 عاماً، من معرة النعمان التابعة لمحافظة إدلب، فقد تعرض لبتر ساقيه بسبب شظايا البراميل المتفجرة التي قصف بها النظام المدينة عقب تحريرها، يقول: "كانت إعاقتي مأساة حقيقية لأنني معيل لخمسة أبناء علي أن أؤمن لهم الحياة الكريمة، استسلمت لليأس فترة من الزمن ولكنني أيقنت فيما بعد أن النجاح ليس لشخصٍ دون آخر، وليس كل من له جسد كامل يستطيع أن يفعل كل شيء ورفضت أن أعيش على هامش الحياة، فقررت أن أعمل في بيع الخضار أمام باب منزلي، والحمد لله أصبحت حياتنا أفضل ونسيت أوجاعي وهمومي بممارسة عملي".
ولكن الوضع الأسوأ يتمثل عندما يستسلم المعاق، ويتحطم نفسياً ويعيش حياة بؤس وشقاء دون أن يحاول أن يبحث لنفسه عن بارقة أمل أو حل بديل تبقي حياته مستمرة، وذلك ما حصل مع "أيمن الداني" 25 عاماً، من قرية جرجناز في إدلب وهو أحد مقاتلي الجيش الحر يقول: "انضممت للجيش الحر لأكون مع الرجال الأبطال، نصارع الأعداء لنتخلص من الظلم ونستعيد كرامتنا ولكن قذيفة غادرة من النظام غيرت مجرى حياتي وحولتني إلى معاق لا يستطيع الحركة، وبدأت أشعر أنني مثل أي شي جامد أو قطعة أثاث، حيث دخلت شظية في عمودي الفقري وأنا أحتاج إلى عدة عمليات ولكن ضعف الإمكانيات الطبية في المناطق المحررة، وعدم توافر المال الكافي لتلقي العلاج في الخارج وقف في طريق علاجي وشفائي."
يواجه أيمن مصيره على كرسي متحرك، يجلس أغلب الأوقات في غرفته وحيداً غير قادر على التأقلم مع إصابته مطلقاً بعد أن دفع أغلى ما يملك في سبيل الدفاع عن بلده .
بين الانغلاق والأمل
وفي سياق متصل فإن قصف طائرات النظام على محافظة إدلب يفتك بالبشر والحجر، ويحول حياة أهالي المنطقة إلى جحيم لا يطاق، ويبقى الأطفال هم الأكثر تضرراً إذ يقتلون أو يتحولون إلى أصحاب إعاقات دائمة أو مرضى نفسيين.
"أبو نادر" 45 عاماً، من قرية تلمنس القريبة من معرة النعمان هو عم الطفل "سامي" الذي لم يتجاوز التاسعة من عمره عندما رأى أفراد أسرته يموتون أمام عينه، وكان الناجي الوحيد حيث تم استخراجه من تحت الأنقاض حياً بعد أن سقط في منزلهم صاروخاً واستخرجت الشظايا من جسده وتعرض لبتر ساعده الأيمن، يقول أبو نادر: "لقد دفع سامي ثمناً كبيراً لهذه الحرب التي لا ترحم، فقد بقي وحيداً ويتيماً دون أن يكون له ذنب ودون أن يدرك سبب المشاكل والنزاعات، وهو اليوم يستخدم يده اليسرى في الكتابة والأكل ويرسم بها صوراً للدمار والقتل، وأنا أحاول أن أكون عوناً له وأسعى لدمجه مع الآخرين لعله ينسى المواقف الصعبة التي مر بها ."
أما الطفل سامي فقول: "أشعر أنني إنسان مختلف عن الآخرين بسبب إعاقتي وأرى في عيون الناس نظرات الشفقة والعطف، ليتني مت مع أفراد أسرتي فذاك أسهل علي من الشقاء والعذاب بعد رحيلهم".
ضرورة وجود هيئات مختصة
من جهة ثانية فإن المعاق إذا وجد من يحتضنه ويمد له يداً حانية كريمة لا شك بأنه سيبدع ويظهر جميع إمكانياته وطاقاته ليثبت لنفسه وللعالم بأنه قادر على العطاء والإنتاج.
"أحمد العبدو" 26 عاماً، من مدينة كفرنبل تعرض لإصابة حربية فقد على إثرها بصره بالعين اليسرى بالإضافة لبتر إحدى قدميه؛ استطاع أن يجد عملاً له في مشغلٍ لإنتاج اللوحات الفنية خصص قسماً منه لتشغيل مصابي الحرب وأصحاب الإعاقات لتشجيعهم ومساعدتهم يحدثنا: ""أشعر بسعادة بالغة لأنني وجدت عملاً يتناسب مع وضعي الخاص، لم أعد عبئاً وعدت إنساناً منتجاً، أكسب رزقي من عرق جبيني دون أن أمد يدي لأحد، أشعر بأن عملي كان نقطة تحول في حياتي حيث حولني من مجرد إنسان معاق إلى إنسان مفعم بالنشاط والصبر والقوة"."
الطبيب النفسي "أبو زهير كيالي" 42 عاماً، من معرة النعمان يقول: "دائماً ما يكون الجرحى هم الضحية الأكبر في الحروب، حيث ينتظرهم مستقبل مأساوي ومصير مجهول لأنهم غير قادرين على ممارسة كل الأعمال ولكن المنظمات الإنسانية والحقوقية لا تلتفت كثيراً إلى أولئك الذين خسروا أجزاءً من أجسادهم وهم بحاجة ماسة لتوفير فرص عمل لهم تتناسب مع حالاتهم، وتأمين دور رعاية تشجعهم للاعتماد على النفس وتوفير الدعم النفسي والمالي حتى يتمكنوا من استقبال صدمات الدهر بصبر وثبات وعزم متين بدلاً من أن يعيشوا حياة ذلٍ وهوان يستدرون عطف الناس وحنانهم ليجودوا عليهم مرة ويبخلوا عنهم مرات".