أهلاً بكم إلى حلقة هذا الأسبوع من المرصد نغطي فيها الفترة من 16 إلى 22 يناير 2023.. إلى العناوين:
- في خضم “فوضى” المصالحة المحتملة بين تركيا والنظام السوري، “خلافات” داخل هيئة تحرير الشام: إلى أي درجة هي عميقة؟
- كيف ينظر أنصار القاعدة إلى سلوك التنظيم في اليمن؟
- هل تحل حافلات كأس العالم في قطر مشكلة طالبان مع تعليم البنات؟
وضيف الأسبوع عروة عجوب، الباحث الأول في مؤسسة “كور غلوبال” المختص في الشأن السوري. يحدثنا عن كيف سيبدو شمال سوريا إن تمّت المصالحة بين تركيا والنظام.
صراع قوى في هتش؟!
الخلافات داخل هيئة تحرير الشام ليست نادرة ولكنها فريدة؛ فغالباً ما ينتهي الأمر بالمخالف خارج الهيئة – إما في سجن أو منفى أو في عالمه الخاص؛ كما حدث مع أبي مالك التلي، وأبي العبد أشداء، ويحيى الفرغلي، طلحة المسير، وماجد الراشد، وبلال عبدالكريم، وغيرهم.
لكن مثل هذه الأنباء تظل دائماً مهمة وتشي بحال من التململ على أقل تقدير قد يتطور إلى فوضى انفصال وإن لن يؤثر على البنية الهيكلية لفرع التنظيم الذي يتحكم بالأموال والعلاقات فيصنع ما يريد.
هذا الأسبوع، لفت منشور في حساب أبي يحيى الشامي على التلغرام، وهو طالب علم وكان شرعياً في الهيئة. اختلف معهم وانشق عنهم قبل حوالي أربعة أعوام بعد أن أنهى “محاولاته للإصلاح” بينهم. فأصبح من أشد المعارضين للهيئة. تتميز منشوراته، أغلب الوقت، بالاتزان ما يجعل لها ثقلاً نتوقف عنده.
وفي 21 يناير، كتب أبو يحيى أن حسابين مهمين من أنصار الهيئة “الشمالي الحر” و “قناة حقائق” توقفا عن النشر لأن “من يكتب فيهما في سجن الأمن التابع للهيئة.” وفسّر أن الاثنين يتبعان لأبي ماريا القحطاني وأن من سجنهما هو أبو أحمد حدود، المسؤول الأمني في الهيئة. لم يوضح أبو يحيى السبب في السجن.
لكنه خلص بناء على ما قال إنها مصادر في الهيئة إلى أن ثمة “كتلتين متصارعتين في الهيئة.”
ويشرح أبو يحيى: “غير قائد الهيئة ومن يدور في فلكه، هناك كتلتان هما الأكبر والأكثر حضوراً في المشهد الداخلي للهيئة، وبينهما خلافات واضحة، الأولى الأكثر ظهوراً إعلامياً ومالياً، الأكثر أخطاء، والأحرص على التغلغل في المؤسسات الإدارية والعلاقات العامة خارج الهيئة، هي كتلة (أبو ماريا العراقي-مظهر الويس-أبو أحمد زكور) المبغوضة من أهل الثورة ومن مكونات وعناصر الهيئة، الكتلة الثانية الأقل ظهوراً، لكن الأثبت والأكثر قرباً إلى الجنود والقادة العسكريين، والأقل عداوة مع الكيانات والشخصيات الثورية خارج الهيئة، هي كتلة (أبو أحمد حدود-أبو ماجد-عبدالرحيم عطون”.
ويتابع: “لا يوجد شورى ضمن الهيئة منذ سنوات، حتى في بداية تشكيلها كان الجولاني يلتف على الشورى من خلال التحضير المسبق وأكل عقول الأعضاء فرادى، كان عطون وقتها يطلب من بعض الأعضاء أصحاب الكلمة القوية أن يثبتوا لتعديل الكفة، فليس كل ما يفعله الجولاني يروق لهم.”
اليمن: عصر الشقاق والانشقاق
لفت هذا الأسبوع منشور في حساب “Without Title” القاعدي على التلغرام يكذّب ما يُقال ونقوله نحن في هذا البرنامج عن حال تنظيم القاعدة في اليمن. بالنسبة له: الانشقاقات، وتبعية التنظيم في اليمن لإيران، وتصفية القاعدة، كلها “أحلام وردية.
ويُعلق: “إذا كانوا وهم يشهدون انشقاقات كما تقولون ينفذون عمليات نوعية (ضد القوات اليمنية المدعومة عربياً)، فكيف لو كانت أمورهم تمام؟” ويقول عنا ساخراً إننا في العام 2025، سنظل نتحدث عن ظهور التنظيم في موقع مافا الإيراني الخاص بمصطفى حامد صهر سيف العدل.
ونقول: لو استعرضنا قناة الملاحم بحسب ما يظهر في منصة Rocket Chat، وبحثنا عن هجمات التنظيم ضد الحوثيين وهجماتهم ضد القوات اليمنية الجنوبية المدعومة من التحالف خاصة الإمارات، سنجد أن التنظيم خلال أربعة أشهر فقط من 13 سبتمبر 2022، حتى 22 يناير 2023، شنّ 43 هجمة ضد اليمنيين المدعومين عربياً. في المقابل، نجد أن التنظيم شنّ 50 هجمة ضد الحوثيين المدعومين إيرانياً طوال ثلاثة أعوام من ١ يناير 2020 حتى 22 يناير 2023؛ بواقع 13 هجمة في 2022؛ و 19هجمة في 2021؛ و18 هجمة في 2020.
جميع هجمات التنظيم ضد القوات اليمنية المدعومة عربياً وقعت في أبين وشبوة التي كادت أن تقع في أيدي الحوثيين لولا تدخل تلك القوات.
إذاً، منطقي القول أن القاعدة يتقدمون حيث لا يستطيع الحوثي.
ونقول، قد لن يعلن تنظيم القاعدة في اليمن البيعة لإيران. لكن ما يقوله موقع مافا عن أمنيات السيطرة على باب المندب والبحر الأحمر، يتفق تماماً مع ما يفعله التنظيم والحوثيون سواء. الوجهة هي الموانئ. ولهذا يكره الحوثيون والقاعدة حضور القوات المدعومة عربياً في سقطرى. وسقوط شبوة في أيدي الحوثي يعني سقوط المكلا وعدن وباب المندب. وفي هذا خدمة لإيران.
أما الانشقاقات، فهي حاصلة. ولنعد إلى “الاعتزال الكبير” الذي وقع في 2020 وقاده القيادي أبو عمر النهدي. هذا مثبت باعتراف التنظيم نفسه في مايو 2020 في بيان طويل بعنوان “ولا تكن للخائنين خصيماً”؛ وما أتبعه من رد أبي عمر وجماعته. صحيح أنه لم يرد أن أبا عمر أو جماعته شكلوا جماعة مستقلة أو انضموا إلى جماعة أخرى، لكن الاعتزال أو الانشقاق أو التمرد حصل وسببه سوء إدارة زعيم التنظيم خالد باطرفي. هل يمكن أن يتكرر السيناريو؟ هو يحدث الآن؛ لأن الفاعلين لا يزالون موجودين ويعملون بنفس الطريقة. بل إن حال التنظيم اليوم صار أسوأ – إلا عندما يقاتلون الجنوبيين.
ومن المفارقات في سلوك أنصار القاعدة ما جاء في حساب قاعدي بعنوان “اليقين” على التلغرام عندما أورد مقتطفات للواء عبدالله الجفري، المتحدث باسم القوات الجوية التابعة للحوثي. يعلّق “اليقين”: “(الجفري) يعلنها مدوية اليوم طفح الكيل.” “طفح الكيل” ليس من التحالف، وإنما من الحوثيين أنفسهم.
المقتطفات من حلقة بثها تلفزيون “الهوية” في صنعاء في أغسطس 2022. وفيها تحدث الجفري عن العنصرية التي يُعامل بها وغيره فقط لانتمائهم لقبائل جنوبية. وهكذا، ألا يبدو أن الحوثي والقاعدة اجتمعا على الجنوبيين المدعومين عربياً؟
الساحل الإفريقي: فقر على فقر
نشرت مؤسسة الزلاقة الجناح الإعلامي لتحالف نصرة الإسلام والمسلمين صوراً تظهر من قيل إنهم “بعض أعيان قبائل ازواغ” يبايعون زعيم التحالف إياد أغ غالي وقد كان حاضراً.
والزلاقة أوضحت أن البيعة تمت في ميناكا ويُفهم من هذا أنه كانت في الجهة المالية من بلاد أزواغ الممتدة عبر الحدود بين مالي ونيجيريا.
هذه المنطقة تشهد منذ خريف العام الماضي تنازعاً واقتتلاً شديداً بين تحالف نصرة المبايع القاعدة وجماعة داعش في الصحراء. ومن الصور التي نشرها تنظيم داعش لجماعته هناك، يمكن أن نرى أنهم يفوقون تحالف نصرة عدداً وعديداً. مطلع ديسمبر الماضي، نشر داعش تسجيلاً ظهر فيه المدعو أبو البراء، ويُعتقد أنه أبو البراء الصحراوي زعيم داعش في الساحل يعلن البيعة لخليفة داعش المزعوم الجديد أبي الحسين الحسيني القرشي. وكان من ضمن المناطق المستعرضة في الشريط منطقة أزواغ.
في الأثناء، ومن بوركينا فاسو المجاورة، وردت أنباء أن جهاديين اختطفوا خمسين امرأة كنّ يجمعن أوراق شجر وثمار للأكل خارج قرية أربيندا شمال البلاد.
هذه المنطقة مرتع للإرهابيين سواء من القاعدة أو داعش الذين يحاصرون البلدات والقرى هنا طيلة أشهر حتى لم يعد يصل الطعام إلى القرويين ما اضطرهم إلى اللجوء إلى البر فقراً على فقر.
طالبان والنموذج الجهادي القاصر
أصدر طالبان العدد 204 من مجلة الصمود خصصت للحديث عن قرار طالبان منع البنات من التعليم الثانوي والجامعي.
كتب المقالات مناصرو طالبان في العالم العربي. في المجمل، يبررون لطالبان نافين أن يكونوا متحاملين على تعليم المرأة والشاهد أن القرار بحسبهم “مؤقت؛” فهو قابل للرد. في ما كتبوه تناقضات كثيرة نضيئ عليها لأنها في خاتمتها توصيف لنموذج الحكم الذي يبشر به الجهاديون وأنصارهم.
كتب كاتب أنه “سأل بعض الأصدقاء والمتابعين من الأفغان ومن غيرهم … عن خلفية هذا القرار وأسبابه” فجاءته ردود مختلفة بحيث لم يعد قادراً على تفصيل “أيها هو الصحيح”.
ونسأل: إذا لم تُعرف الأسباب، كيف سيجدون مخرجاً من “المؤقت”؟
يتابع الكاتب: إن أحد الأسباب هو “الإلتزام بالخط الشرعي،” حيث أن “الأفكار” التي تنتشر “بفعل التعليم الأجنبي” تجعل بين الناس “من هو أخلص للغرب من بعض الغربيين.”
ونسأل: ألا ينطبق هذا “الخط الشرعي” على الذكور كما الإناث؟ أليس الذكور عرضة لهذه “الأفكار” كما الإناث؟ لماذا يدرس الذكور هذه المناهج ولا تدرسها البنات إذاً؟
يتابع الكاتب: “والغرب نفسه حين كان يمر (بظرف استثنائي) في الحروب … كان يأخذ المرأة إلى المصنع فتعمل بنصف أجر الرجل.”
ونسأل: أي حرب وأي وضع استثنائي يمر به طالبان؟ ألم يأتوا إلى السلطة بموجب اتفاق مع القوة العظمى في العالم – أمريكا – وبرعاية دولة نفطية غنية هي قطر؟ ألم يستولي طالبان على أفغانستان وفيها مؤسسات كاملة متكاملة عاملة من ضمنها المؤسسة التعليمية التي خدمت الذكور والإناث طوال عشرين عاماً؟
يكتب آخر: “هو تعليق للدراسة مؤقت لأنهم بحاجة إلى تصحيح المناهج التي وضعها الاحتلال وحكومته وتهيئة الدراسة المنفصلة بعيداً عن الاختلاط.”
ونقول: المدارس في أفغانستان منفصلة في المرحلة الثانوية. أما في الجامعات، فقد عمل طالبان الفصل في المحاضرات وفرض النقاب وما إلى ذلك وانتهى.
ويتابع: “جاء قرار المنع بعد مرور عام كامل على حكم طالبان”.
والواقع أنه عندما استولى طالبان على الحكم في أغسطس 2021، عُلقت الدراسة للجميع، ثم أعادوا فتح مدارس الذكور وقالوا إنهم سيفتحون المدارس الثانوية للبنات في الفصل التالي أي في مارس 2022. جاء مارس، فأغلقت المدارس في نفس اليوم الذي كان من المفروض أن تذهب فيه البنات للدراسة. وفي ديسمبر 2022، علّقوا التعليم الجامعي للبنات بلا مقدمات.
ويروي هذا الكاتب أن أحدهم في قطر سأل وزير خارجية طالبان “ما المشروع الذي تضعونه في مقدمة أولوياتكم لو توفر لكم مال…؟ فقالوا تعليم البنات وتوفير الحافلات لهن.” فأجب السائل: “لعلنا نكلم الحكومة القطرية تعطيكم من حافلات كأس العالم بعد انتهاء فعالياته!”
وهنا نقول: طوال عشرين عاماً ماضية منذ سقط حكم طالبان الأول والأفغانيات يذهبن إلى المدارس والجامعات مشياً على الأقدام أو في ركشات. أو مع أهلهن على دراجات هوائية أو نارية أو ما توفر من سيارات السرفيس. لم تكن المواصلات مشكلة إلى أن جاء طالبان.
كتب آخر: منع المسلمات من التعليم في الهند لأسباب عنصرية ليس تخلفاً ولا كارثة … وأما منعهن في أفغانستان لأسباب اقتصادية واجتماعية ومؤقتة فهو كارثة.”
ونسأل: هل خطأ الهند يجعل خطأ طالبان صواباً؟
وتكتب أكثر من مناصرة عربية بمعنى: “لا ولن أدافع عن حقوق البنات اللواتي لا يلتزمن الضوابط الشرعية.”
ونقول: معظم هؤلاء المناصرات درسن في مجتمعات أقل التزاماً “بالضوابط الشرعية” من المجتمع الأفغاني؛ ويعملن اليوم في دول علمانية. ونسأل: لو أن هؤلاء المناصرات عشن تحت حكم طالبان، هل كان طالبان سيسمح لهن بمواصلة تعليمهن وتكديس الشهادات؟
ومن الكتاب في هذا العدد من يرسل أولاده وبناته إلى مدارس أوروبية ويعيش في مجتمع أوروبي ويستفيد من “الحرية” التي يتيحها ذات النظام الغربي الذي يلعنونه في أفغانستان قبل طالبان.
وربما كانت فرصة حتى نسأل أين تدرس بنات وأخوات وحفيدات مسؤولي طالبان؟
وعليه، فإذا كان طالبان نموذج الجهادي الذي يريد الجهاديون به أن يخلصوا العالم من شروره، فمن المؤسف أن هذا النموذج غير مكتمل. في النهاية، حتى ينجح هذا النموذج في الحوكمة هو يحتاج إلى “حافلات كأس العالم” أو النظام المالي العالمي أو مقعداً في الأمم المتحدة أو صفقات تجارية مع دول إشكالية في عرف الجهاديين أنفسهم. إذاً، عندما يجد الجِد، لا يختلف هؤلاء الجهاديون في ممارساتهم عن ذات الأنظمة التي يقولون إنهم يحاربون.