مغني الراب شاهين.. أنتيكا الراب التي لا تصدأ
“أقدم واحد فيكوا أنا الأنتيكا”
هكذا وصف شاهين نفسه في تراك “الفرندة”
ربما يكون أصدق وأدق تعبير عن مسيرة شاهين
شاهين “العبقري” واحد من أهم الرابرز في مصر وأقدمهم على الإطلاق، وعلى عكس ما كان يعتقد البعض فشاهين لا يكبُر الجيل الجديد إلا بسنوات قليلة، فهو مواليد أكتوبر 1991، لكنه بدأ في الرابعة عشر من عمره، حيث انضم لفريق “واي كرو” عام 2005 مع عُمر بوفلوط وياسين زهران عن طريق صداقة تجمعهم بشقيقه الأكبر، ليبدأ مسيرة فنية تزيد عن خمسة عشر عامًا حتى الآن.
دلوقتي كل حاجة بقت سهلة
سيبني أجري ماتقوليش على مهلك
طالما عديت وملقيتش زحمة
من قبل حتى ما يطلعلي دقن
أصلا من قبل ما صوتي يخشن
أيام ما السوشيال ميديا كات جرنان
أنا عملتها قبلك
كانوا جمهور وبقوا نجوم
كانوا بيشوفوني ع التليفزيون
يلخص شاهين رؤيته لنفسه ولمجال الراب والفارق الكبير بين معاناة الماضي وسهولة الوصول في الحاضر في تراك “عملتها قبلك”
بداية موفقة
بدأ شاهين الرحلة مبكرًا مع الراب الذي ظهر في مصر من التسعينات وبدأ في الانتشار نسبيًا مع بداية الألفينات تزامنًا مع دخول شاهين للعبة.
ورغم أنه كان أصغر أعضاء “واي كرو فاميلي” لكنه الوحيد الذي استمر وعبر إلى المستقبل، كان صاحب موهبة واضحة جعلتهم لا يكتفون بالترحيب به، بل دعوه للانضمام إليهم
“واضح إنهم كانوا شايفين حاجة أنا نفسي مش شايفها”
سافر والده مبكرًا وهو ما أثر عليه بشدة، وجعله في معاناة، وحيرة بين السلب والإيجاب، بين الاعتماد على النفس وما بين الإحساس بالفقد والاحتياج للأب وهو ما عبر عنه بعد سنوات في تراك مؤثر، حكي فيه القصة بالتفصيل بعنوان “أنا مسامحك” 2008
وهي الأغنية التي طبقًا لتعبير شاهين نفسه “خلت أبويا أقرب صاحب ليّ”
اقترن ربيع أحلام أصدقاء شاهين بخريف الأمل في صعود الراب، وقتها لم يكن هناك أي مؤشر لأن يكون الراب مصدر دخل لأصحابه، فشق الجميع طريقهم، وتفرقت عائلة واي كرو، لكن خرج شاهين فائزًا لأنه كان محظوظًا بصغر سنه، وامتلاكه للوقت والجرأة للتجريب والمغامرة، ورغم اشتراك شاهين في فيلم ميكروفون 2010 وهي مسألة مهمة وقتها لكن ومع ذلك لم يثمر الأمر كما كان متوقعًا لكنه استمر مع بوفلوط جنبًا إلى جنب حتى 2016 حيث انتقلا سويًا إلى دبي.
كانت الحفلات في هذا الوقت “مصدر الدخل الوحيد في تلك المرحلة التي امتدت من بداية الألفينات حتى توقف عن الراب، لكنه قدم فيها أغنيات قوية، أهمها “حديث مع الأنا” أحد أفضل وأشهر أغنياته، وقاما معًا “شاهين وبوفلوط” بغناء العديد من الأغنيات معًا منها “قوم فكر” لإحدى شركات المياه الغازية، و”فن سيريالي” وغيرها… كان لا يزال الراب بشكله التقليدي قبل صعود الموجة الجديدة و”موسيقى التِراب”
كان عبارة عن رص للكلمات على “لوبس” و”تيمبو” ثابت بسيط، كان لايزال عبارة عن كلمات، والباقي لا يحمل نفس القدر من الأهمية، ليس فقط مجرد كلمات، بل كلمات قوية ذات معنى، لازلنا في خضم الزخم بعد ثورة يناير، كلمات عن الأمل والحياة والكفاح والجدعنة والتغيير، كانت بداية نهاية “الراب” الهادف كما يقولون.
شاهين ووالده علاقة استثنائية وشائكة
كانت السنوات العشر من 2005 حتى 2015 أكبر مجرد من حقبة، شكل الحياة تغير، الفن والموسيقى، الحياة ككل ذهبت في مسارات أخرى، والركود المألوف في الحياة قبل 2010 ذهب بلا عودة، لكن الحدث الأكبر المؤثر في حياة شاهين هو وفاة والده، الذي تربطه به علاقة خاصة صعودًا وهبوطًا، لم تكن علاقة تقليدية أبدًا في كل الأحوال، لا يخلو لقاء لشاهين من الحديث عن والده، وعن تأثيره، وعن وفاته عام 2016 والتي كانت بمثابة توقف للحياة، وهي السنة الفاصلة التي قرر فيها شاهين التوقف عن كل شيء، والذهاب بعيدًا “عايز أروح مكان محدش يعرفني فيه”
ترك شاهين مصر والراب وكل شيء خلفه منطلقًا نحو دبي ليعمل “موظفًا” بدوام كامل، غارقًا في حزنه، مستسلمًا لوظيفة تقليدية قاتلة للوقت والإبداع غير المرغوب فيه في تلك المرحلة، وهي الفترة التي بدأ فيها الراب في مصر في تجهيز نفسه لموجة جديدة بأبطال جدد، لكن شاهين لا يبالي، ترك “الجمل بما حمل” ومضى لتحمله رياح الاغتراب إلى أبعد طريق
عودة الطير المهاجر
بعد 2016 جرت مياه كثيرة في النهر وصولا لعام 2019، صعد الراب، قفز قفزة كبيرة، أخذ موقعه في خريطة الموسيقى في مصر، بالتوازي مع سؤال وجهه أحدهم إلى شاهين في دبي حين عرف أنه رابر ومعروف:
“أنت بتعمل إيه هنا” ؟!
ويبد أن الكلمة فجرت البركان الذي كان على وشك الحدوث في كل الأحوال، يقول شاهين: معرفتش أرد أقول إيه …. لكن الساعة اتنين بالليل كنت رجعت إسكندرية!
كان لابد من تجربة، كان لابد من البعد لمعرفة الحقيقة والتأكد منها، شاهين لم يخلق للوظيفة، ولم يشعر أن الله خلقه بتلك المواهب والأدوات حتى يعمل في وظيفة ثابتة مملة، لا يتقدم فيها ولا تقدم له الجديد وتمضي بالعمر دون أن يترك بصمة
واقع جديد.. شاهين يعود ويترك العبقري
قليلون من عادوا من الظل ليحققوا النجاح مرة أخرى، في الفنون يتحقق المثل الشهير “البعيد عن العين بعيد عن القلب” لكن شاهين قلب الآية، عاد إلى الإسكندرية مسقط رأسه متخليًا عن الوظيفة الآمنة، وكذلك عن شخصيته الفنية القديمة، تخلى عن “العبقري” ليصبح فقط شاهين، يتعامل مع الواقع الجديد بأن زمن “الأولد سكول” انتهى، وأن الراب الآن في مرحلة جديدة، وأن المواكبة تتطلب مجهود كبير، بالفعل عاد ب “بررم” و”كوم تراب” تراكات جيدة أو عادية لكن ليست المنتظرة المعبرة عن العودة الحقيقية لشاهين، فانتقل مباشرة إلى المرحلة التالية بتراك “عملتها قبلك” والذي قام فيه “بضرب عصفورين بحجر واحد”
فدخل بيه إلى “موسيقى التراب” للمرة الأولى، ثم قام فيه بالإشارة إلى أبيوسف “نكشه” وهو ما دفع أبيو إلى الرد ب “أنا عملتها أجمد” … وهو ما صنع شرارة جلبت اهتمام المتابعين
نجحت الأغنية، ونجح شاهين في الاختبار، وعاد بعدها لتقديم كليب “الفرندة” مع “الفايف” (رابر وبرديوسر) ونجحت الأغنية نجاحًا كبيرًا فكانت العودة الحقيقية، وتلاها “صوت بجع” وهي أحد أنجح تراكات شاهين، وساهمت في عودته لمشهد الراب بقوة، والمنافسة وسط الجيل الجديد
ربما العامل الأهم في نجاح شاهين في العودة وتقديمه مستويات جيدة، أنه صغير السن، فشاهين مواليد 1991 أي 31 عام، كذلك تمتعه بالمرونة الكافية لحب الجديد وليس فقط تقبله، بل والتعامل معه بصورة مثالية، والأهم أنه صاحب كلمات قوية كرابر، ورغم أنه ترك “العبقري” في دبي، لكنه لم يترك سبب اللقب
قاموس عامر بالمفردات
لا يتميز شاهين فقط بكونه صاحب قاموس عامر وزاخر بالكلمات والقوافي يسعفه دائمًا إن أراد الغناء والتعبير، لكنه يتميز بأنه الوحيد تقريبًا من الجيل القديم الذي بدأ رحلة الراب من بدايته ولا يزال يواصل بقوة ونجاح، وبإنه كان شاهدًا على البدايات ومعاصرًا للتطور الذي يحدث الآن.
بدأ شاهين في مرحلة كان الراب فيها ينصب على الكلمات، وعلى موضوعات وقضايا إجتماعية بالدرجة الأولى، بدأ الراب في مصر كما بدأ في أمريكا يعبر عن قضايا مهمة، مشاكل الشباب، أزمات التعليم والبطالة والفقر وخلافه، فإلى جانب تميزه وثقافته استفاد من تلك الفترة، والتنافس القوي بين الرابرز في الموضوعات وتعددها وتنوعها، وهو ما ظل مستفيدًا منه حتى الآن، حتى بعد أن أصبحت الكلمات لها دور أقل، وتغيرت الموضوعات التي يتحدث عنها الراب وكذلك الطريقة، فالعديد من تراكات الراب أصبحت تميل لطريقة أكثر سيريالية بكلمات قليلة ملغزة أحيانا وغير مفهومة، ومع ذلك يظل شاهين محافظًا على قدرته في التعبير، وبطريقة أكثر تماسكًا أعادت جزء من جمهور الراب الذي ارتبط به قبل سنوات ولم يجد نفسه مع الجيل الجديد من الرابرز.
رغم أن شاهين في أكثر من مناسبة مؤخرًا كان يسخر من رفضه سابقًا لتيار موسيقى التراب والتزامه بالراب “الأولد سكول” ومع ذلك لا يزال يقدم موضوعات واقعية فيها رائحة الراب القديم، ولا يزال محافظًا على طريقته المميزة في التعبير عن نفسه، فتجده يقول
“سيبك م العلامة الزرقا، هتلاقيني ع القهوة” الفرندة
بينما في “إيد هون” يقدم واحدة من أجمل التعبيرات التي سمعتها في الراب
“حياتنا مش هتحبها جبال جدل وبلبلة، وصوت جهور وجلجلة، هنا لا سحر ولا جلا جلا”
ويعود في “جامد هيك” ليقدم واحد من تعبيراته المتفردة
“اتنكل بينا واتاكلنا كاللبانة، متعلمناش غير لما أكلنا على قفانا”
بينما يقدم تعبيرًا بسيطًا وساخرًا في تراك “ما علينا” لكن له مغزى قوي
“فخورة بيا اتوكسي… سبحان الله زمان مكنش عاجبك لبسي”
في خلال ثلاث سنوات ومنذ عودته استطاع العودة بقوة، قدم عدد من التراكات الناجحة أكثرها شهرة “سيري”، وقدم أكثر من أغنية دعائية لأفلام جديدة، وشارك في مسلسل “سوشيال” ولا يزال يسير بخطى ثابتة، فهل يستمر شاهين على هذا المنوال في ظل التنافس الشديد في مشهد الراب المصري؟! … الإجابة سيقدمها شاهين نفسها خلال الأسابيع والشهور القادمة.